مجاراةُ الموضَةِ ليست حضارةً

ميشال عطاالله

من المُسلَّمِ بهِ أنَّ تطورَ الحضارةِ يتبعُ تطورَ الفكرِ، والمألوفُ اليومَ ربَّما يُستبعدُ غداً. وإذا سَلَّمنا بعكسِ ذلك نكونُ كمنْ يتباهى بشيءٍ لا قُدرةَ فكريَّةَ له على استيعابِهِ، أو كمنْ يتغنى بكلامٍ لا يفقَهُ معناهُ. ولهذا نقولُ إِنَّ مجاراةَ الموضَةِ لا تعدُّ باباً من أبوابِ الحضارةِ ما لم تلامسِ الرقيَّ الفكريَّ وتطورَهُ ليُستفادَ من وجودِها كونُها من عُصارةِ الفكرِ الفذِّ الخلاّقِ.

الحضارةُ وليدةُ ثقافةٍ ومعرِفَةٍ وعِلمٍ وخبرَةٍ وأخلاقٍ عاليةٍ، ودائماً هي في تجدُّدٍ مستمرٍ ولها أسسٌ وقواعدُ ومراحِلُ تمرُّ بها وتنمو كنموِّ الطفلِ في اكتسابِهِ المعرفةِ وتزدهِرُ حينما نُنمَّي طاقاتِنا الفكريةَ والثقافيةَ والعلميةَ والأخلاقيةَ. وتنحطُّ كانحطاطِ العجوزِ الهرمِ حينَ لا نستطيعُ مجاراةَ زخمِها العلميِّ والأخلاقيِّ . ولا تهبُ من ينتمي إليها حقَّ عضويتِها إذ أنّها ، في حدِّ ذاتِها، مؤسسَةٌ ناشئةٌ في نفوسِنا ومرتبطَةٌ بتراثِنا.  لا تقلَّدُ ولا تُترجَمُ خارجَ منبعِها إلاّ إذا كانتْ تصبُّ في بيئتِها . وهكذا تتمايزُ الحضاراتُ وتتعدَّدُ بحسبِ طبيعةِ أرضِها وشعبِها.

والغريبُ أنَّ البعضَ ما زالَ يعتقِدُ أنَّ مُجاراةَ الموضّةِ الحديثةِ والسيرَ على نمطِها، شرقيةً كانت أمْ غربيةً، مِنْ شأنِها أنْ تُضفيَ على المرءِ صِفَةً حسنَةً مميزةً وحضارَةً جِدّمتطورةٍ، وتكسبُهُ مقاماً أرفعَ وأرقىمن مستواهُ الخُلُقيِّ والفكريِّ والعلميِّ والثقافيِّ من صِفاتٍ . ألا تُدرِكُ هذه الفئةُ من الناسِ  أنَّ المُهمَّ جوهرُ الإنسان ِ ومعدنُهُ الحقيقيُّ وليس شكلهُ الخارجيُّ؟ فهلْ اعتُبرتِ الموضَةُ الحديثَةُ يوماً ما حضارَةً؟ وهل غيّرتْ أو بدّلتْ شيئاً في المفاهيمِ الفكريةِ او الأخلاقيةِ والثقافيةِ؟ فالعِبرَةُ إذاً، في المضمونِ وليس في الشكلِ الخارجيِّ؛ فإنْ زخرفنا وزيّنا وجدَّدنا الشكلَ الخارجيَّ لأيَّ محتوى من المحتوياتِ فهل يتغيَّرُ أو يتبدَّلُ نوعُ أو مضمونُ هذا المحتوى؟

وهُنا يكفي أنْ نقولَ، إِنَّ من تلبُسَ “الماكسي” هي نفسُها تلبُسَ أيضاً “الميني” و”الشورت” وايَّ موضَةٍ جديدَةٍ أخرى؛ فلو كانتْ مجاراةُ الموضَةِ حضارةً لتشابهتِ الحضاراتُ وما تعدَّدَتْ وتمايزتْ .