
د. جهاد نعمان
قد لا يهمّ القارئ أن أحدّثه عن أحد أساتذة الفلسفة واللاهوت، الذي انتقل بُعيد عيد شفيعه القديس جاورجيوس في 23 نيسان الفائت. يهمّه بالأحرى أن يعرف اهتمام الكاهن الفائق برعاياه.
الأب الدكتور جورج كرباج محبّ لله. دخل سلك الكهنوت بسبب من محبّته، فليس الكاهن عنده كاهنًا مرتزقًا، بل كاهن التضحيات الكبرى أي تخصيص كل الوقت للرعيّة وخصوصاً للمعوّقين من بينها.
القضيّة عند جورج كرباج، زميلي في أكثر من جامعة، هي قضيّة قلب أولاً. فالكهنوت معه التزام كامل لقضيّة الإنجيل بحيث يدور كل عملٍ له حول هذه القضيّة ليس إلاّ.
كان الأب الصديق مأخوذاً قلبه بالله. يخصّص وقتاً في اليوم يدرس خلاله الكتب المقدسة ويطالع المقالات اللاهوتيّة. يتفقّد الرعيّة ولاسيما المرضى والحزانى ولا يهمل الإطلاع على الحالة الروحيّة للبيت وخصوصاً الوفاق الزوجي وتقدم الجميع في معرفة الرب.
يعرف رعيّته ورعيّته تعرفه، وينادي “خرافه” بأسمائها. ولما كان أستاذاً جامعيّاً لم يُضحّ بالحاجة الروحية لدى رعاياه في سبيل رخاء وضعه المالي.
عَقَدَ الأب العزيز الاجتماعات الإنجيليّة في البيوت، إذ لا مفرّ من تفسير الكلمة الإلهيّة وأن يحيا الشعب منها وقد يردّ البعض منه إلى المعبد الذي يهملون. ولكن هذه الاجتماعات لم تعوّض من اللقاءات الشخصيّة التي قام بها الأب الفقيد مع الذين طلبوا منه الإرشاد والنصيحة.
أدرك الأب – المثال أن العلم لا يكفي، فكان نموذجاً في الكلام البليغ العفيف الذي لا غضب فيه ولا نشنّج ولا تحامل ولا تحزّب ولا نميمة.
ديدنه ثلاثيّة المحبّة والايمان والعفّة. كان مسالماً من غير أن يكون فاتراً، فالله يتقيّأ الفاترين أو المتجاهلين فضلاً عن المتعصّبين والمارقين.
لم يشعر شريف عاقل من بلادي يوماً أن الأب الفاضل يستظهر درساً. تأتي كلماته من قلب عاشق لربّه. ولما تجلّى على هذا الاضطرام الداخلي لم يعظم أحد في عينيه حتى يخشاه ولم يبقَ أحد حقيراً في نظره.
أستمطر على روحه رحمات الله!