حمل عصاهُ وراح…

انطوان السبعلاني                                                                           

صديقي “أبو ريتا” راح في الصباح الباكر تاركاً كرسيه المشهور على رصيف بيته، في منتصف الزاروب الممتد في محيط المتحف، بإتجاه العدلية.

ونعم كرسيه الذي هو جزء أساس من شهرته. أبو ريتا، والعصا، والكرسي، وتاريخ لرجل طيب كثيراً، وعارفٍ تاريخ محيط المتحف بيتاً بيتاً، وشخصاً  شخصاً، وأخبار هذا وذاك، وأموراً صغيرة وكبيرة…

وأبو ريتا من كرسيه المعروف، والمزروع على الرصيف، يعرفه الناس جميعاً، ويعرف كل ما يحدث في هذا الشارع الصغير. والذين يعبرون الشارع يرون أن عيناً كالكاميرا تصورهم، وبسمته الدائمة تشجع السائلين عن أي أمر، فيقتربون منه ويدخلون دائرته البسيطة الطيبة الغنية بالعطاء والخدمة بمحبة.

أبو ريتا يسكن هذا الحي من بعض من ستين سنة، وبيته يطل على بطريركية السريان الكاثوليك وجار  بيت القانوني الوزير الراحل اميل تيان، فبيت القانوني ادمون رباط.

ويقول لك أبو ريتا:  وهنا كان يسكن أمين معلوف، ومن زمان كان هنا بيت حميد فرنجية واللواء جميل لحود وبيت مكرزل، ولايتعب صاحبنا في تعداد بيوت معروفة…

"أبو ريتا"
“أبو ريتا”

منذ ربع قرن تقريباً نزلنا هذا الحي بعد أن نفينا عن الشمال الحبيب… بيتنا الجديد على بعد عشرين متراً عن الجالس  على كرسيه أميراً. وبسرعة تشعر أنك تسلم عليه ويسلم في الذهاب وفي الإياب وببسمته الدائمة يبادرك بالتحية. ثم عندما تحتاج الى أية خدمة يقال لك  اسأل أبو ريتا فهو العارف الخدوم بمحبة… وأهم ما في الرجل أنك ولا مرة أنت تكلف خاطرك لتسأل عن اسمه، فهو ابو ريتا وكفى. وذات يوم، بعد وقت طويل من عيشنا في هذا الحي، يتصل بي أولادي من السويد وكانوا في زيارة الأهل هناك وقالوا: أبو ريتا ما اسمه الحقيقي؟

قلت لهم: لا أعرف، ولكن أنتم ذهبتم للسويد للبحث عن اسم أبو ريتا… ويومها عرفت أن اسمه الياس العشي، كإسم صديق أديب لي في طرابلس.

في السنوات الأخيرة صارت علاقتي بأبو ريتا يومية، ورحنا نذهب معاً صباح كل يوم الى سوبرمركت قريب منا، وصار صديقاً لنا. وأكثر ما أدهشني بالرجل تعلّق هولاء العمال الأجانب من مصريين وبنغاليين به، فهم يرحبون به على طريقتهم، وكذلك نقول عن موظفي وموظفات الصناديق. ويوما عن يوم يصبحون أصدقاء أبو ريتا…

وأنت تسأل أي سر فيك يا صديقي؟  أهي طلتك التي تشبه  طلة بابا نويل؟  أهي بسمتك الدائمة في العين والوجه؟ أم أي شيء لسنا  ندري ما هو؟

يا أبو ريتا يوم رحتَ، حبيبتك الأغلى ريتا كانت على قدر كبير من المسؤولية، إنما لامها المحبون الكثر، وأنا منهم، على واحدة، أنها في نعيك اكتفت بإسم الياس العشي…

وهي لحبها الكبير لك حرمت عليك من سنين الخمرة والسيكارة كما كنت دائماً أقولها لك…

ويا صديقي ورفيقي اليومي، أنا أشهد أنك كنت تعرف الكثير عن الناس والأسواق، وان نفوذك تجاوز حدود شارعك المحبوب فوصل الى بدارو وفرن الشباك والسيار…

وأنا أعلن وبصوت عال أنه في محيط المتحف، حيث نسكن، كان هناك اثنان مشهوران، وهما: المتحف، وأبو ريتا…

ألأول أحترمه ولا أحبه لاهتمامه بالحجر! أما الثاني فأحببته وبكيته لاهتمامه بالبشر!

حاشية: يا أبو ريتا السوبرمركت الذي أحببت بكاك إدارة وموظفين وعمالاً.

وكلمة أخيرة إن كرسيك المتروك يوجعني!

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.