يقظان التقي و…

“الإعلام والعولمة والديموقراطيات”

Yakzan Takki-2
د. يقظان التقي قي خلال توقيع كتابه

د. كمال بقاعي

“اثر الإعلام في العلاقات الدولية”، رسالة الاعلامي يقظان التقي لنيل شهادة الدكتوراه، صدرت اجزاء منها في كتاب بعنوان “الإعلام والعولمة والديموقراطيات” (عن دار رياض الريس للكتب والنشر في نحو 400 صفحة). وحسناً فعل التقي بنشرها، لأهميتها، وتحصنها بالقواعد النقدية والتحليلية الأكاديمية، سواء في لغتها الدقيقة، أو في مصطلحاتها الواضحة، أو في إحالاتها على المراجع والمصادر والفهارس، التي تشفع بصدقيتها.

وقد عرف المؤلف كيف يمنهج دراسته بعناية، وتسلسل، جامعاً بين المناحي التاريخية، وأشكال التطور الإعلامي، وصولاً إلى الوشائج التي تربط هذا الإعلام بالعولمة والديموقراطيات.

ولقد أصاب في تعاطيه مع هذه التناقضات ومع الاعلام في تحولاته، واحتمالاته، وتأثراته، وتنويعاته. إنه حامل التاريخ بمعناه الشامل، وبمعناه التفصيلي، وبمداه الحميمي، واليومي، والجغرافي، والعمومي. فكأن التاريخ انتقل من سلطة المؤرخين إلى سلطة الإعلام… ولعل هذا التعميم بالذات ما يمثل اتساعه إلى قطاعات جديدة، بواسطة التلفزيون، ووسائط التواصل والإنترنت والفيس بوك وتويتر، سواء ما يخص الخبر العادي، أو المصور، أو المركب، أو الموحي…

Yakzan Takki
غلاف كتاب الاعلام والعولمة والديمقراطيات

المنحى الاستقرائي

وما يميز رسالة التقي عدا منهجيته ودقته ولغته التحليلية، هو المنحى الاستقرائي، أو محاولة استشفاف ما وراء التحولات، من إيجابية وسلبية، من تبعية وتحرر، من ارتهان ومن تحد، لاسيما في تجاوز أشكال التقنيات الجديدة، القطبية الشاملة، كمرجعية وصدقية إلى نوع من الحسم الافتراضي المرحلي: “إن الهيمنة على التقنيات تقود العالم إلى أشكال جديدة من التبعية، ويبدو أن المعركة تكاد تكون حسمت لمصلحة أميركا، حول السيطرة على القطاعات الثلاثة: الثقافة، الكومبيوتر والإنترنت”، وذلك من خلال هيمنة الشركات “فالشركات التي تسيطر على الإنترنت (ميكروسوفت الأميركية) تسيطر على الإعلام، رغم كل المخاطر التي يحملها ذلك على حرية تفكير المواطنين. وهذا يطاول الصحافة المكتوبة التي أصبح يسيطر عليها عدد قليل من الرأسماليين الكبار الذين يشترون الصحف التي تعاني من أزمات اقتصادية أو مصاعب إعلانية، الأمر الذي سبب هبوطاً ملحوظاً في ثقة المواطنين الغربيين بالإعلام”. أترى ذلك يؤدي إلى أحادية قطبية ثقافية؟ هذا ما حاول تأكيده المؤلف، وعلى مستويات المسلسلات التلفزيونية وصناعة السينما والمنوعات والسيارات والأخبار…

أدوار أساسية

لكن التقي يرى أن الإعلام، على الرغم من كل ما يحيط به من تساؤلات وشكوك، ما زال يلعب دوراً في قطاعات أساسية من المجتمع، والاقتصاد في الإطار الديموقراطي لا سيما في مسألة توسيع مدى الحرية، إلى شؤون مهمة كمسألة حقوق الإنسان، والمرأة، والمثلية، والبيئة، والجنوب، والفقر، والطغيان… وهذا يعود إلى ما تنوعه (على الرغم من هيمنة العولمة بوجهها الأميركي الرأسمالي). لكن مناقشة هذا الجانب يكشف أنه حتى في بعض المسائل الأساسية كحقوق الإنسان، والتعبير، والمواجهة، فقد نلحظ كثيراً من نواحي الاستيعاب، والخروج على أسس المهنية، ومبادئها، واتجاهاتها سواء في قضية ويكيليكس، أو سنودن، أو اي مغامر أو متحدٍّ آخر. وهنا بالذات، أدخلت في معالجة المسألة عوامل «وطنية»، وسياسية تندد بالحرية في تسريبات ويكيليكس أو سنودن، لتصل المسالة الى المصلحة العليا… والى القضاء.. انه تهديد القطبية المهيمنة عندما تخترقها اصوات هامشية..

yaksocial-media-862133_960_720

وفي مراجعة لسياق الرسالة، نلحظ هذا التسلسل المرن، والسلس، في تحديد فصول رسالة، وتتابعها، وتداخلها، على غير خروج أو تخل عن العنصر الموضوعي، المؤرخ، والمحرر، والمسوغ. وهذا يعود الى الروايات الشاملة لعنوان الرسالة «الاعلام والعولمة والديموقراطيات»، وفي معالجته التفصيلية، وتفرعاته، وامتداداته، وتواصله، وكتاباته، بحيث يتوصل المؤلف الى صوغ بنية متماسكة لمختلف الاشكاليات. بل ان هذه البنية ما كانت حافظت على تماسكها، لدى هذه الدقة في ترجمة الرؤيا العمومية، بتفرعاتها واساسيتها ولولا اللغة المتناغمة، والمتصلة بطبيعة البحث، والتي بقي التقي حريصا عليها، ضمن القواعد الاكاديمية، والتقنية، وحتى التعبيرية، وصولاً الى النقد، والاستقراء. فالنقد هنا لا يقوم على تصور مسبق (على الرغم من الفهرسة الواضحة الموضوعة) بل يطلع من المادة نفسها، ومن صدقية مرجعياتها، ومن اصولها، ونتائجها، وتفاعلاتها، فالموضوع اصلا مرئي، لا يتحمل لا التبسيط، ولا التيسير، فيقع في العمل الصحافي، أو الاخباري، أو المعياري المجرد. فالاعلام الذي تماهى بالعولمة ينتج مسائل متعددة، ومتناقضة، ومتناكرة، شأنه في ذلك شأن مختلف القضايا.

تجربة التقي الاعلامية

من هنا نجاح المؤلف في عزل مختلف العناصر التي تحجب هذه التعقيدات، بعناصرها المتلاطمة، وتفاصيلها المتداخلة، وبناها الصلبة. ونظن ان تجربة التقي الاعلامية (التلفزيونية)، والصحافية (اليومية)، وحسه السياسي، والتاريخي، ساعدته جميعاً على تجاوز هذه التحديات، التي تحجب كثيرا من الحقائق الكبرى، بل ساعدته على التمييز الواضح بين لغة الصحافة اليومية، والتعليقات، والتحقيقات، وبين اللغة الاكاديمية الجامعية بخصوصياتها الاصطلاحية.

بمعنى آخر، تجنب التقي الخلط بين المنتوج الاعلامي (الصحافة اليومية، والتلفزيون، والانترنت) وبين ادوات التعبير الاكاديمية، الصارمة، الدقيقة التي لا تتحمل ذاتية مفرطة، ولا اساليب انشائية أو بلاغية أو شعرية، فخصوصية الاعلام المرئي شيء، وخصوصية الاعلام المكتوب شيء آخر.. وكذلك خصوصية البحث الاكاديمي بالزاماته، ودقته، وصوغه الواضح، بلا التباس ولا تورية.

«الاعلام والعولمة والديموقراطيات» كتاب يقدم جديداً في مسلكه العمومي، وفي طرائفه التحليلية، والبحثية؛ وقد برع التقي في بسط الأمور والمشاكل والظواهر والالتباسات والفوارق، بين مختلف الأدوات الاعلامية، وتغيراتها، نبض منسجم، هادئ، صارم، تحركه خبرة وافرة في مجالاته المختلفة.

خاتمة الدراسة

هنا الخاتمة التي توجه بها هذه الدراسة الاكاديمية.
قد يمثل الاعلام النصر الحقيقي في مكان ما للقرن العشرين، بابعاده الثلاثة كعوامل تفرض اعادة تعريف كاملة لدور الميديا والصحافيين والإعلاميين في القرن الواحد والعشرين: الصحافة المرتبطة بالسياسة، الخدمة المرتبطة بالاقتصاد، والمعرفة المرتبطة بالصناعات التي تحمل الاسم نفسه، من دون اغفال الاعلام العلائقي الذي تمثله شبكات التواصل الاجتماعي، وهي في صلب التواصل الانساني الذي يخترق جميع الاوساط الاجتماعية. باختصار الاعلام بكل معاني الكلمة، وبكل الالتباسات التي يمكن تخيلها، يمثل قيمة من القيم المركزية المفتوحة والجهاز العصبي اليوم في العلاقات الدولية، وهو يغطي كامل طيفها، ومن الاكثر فعالية ومعيارية والاكثر تسويقية ووظيفية.
السؤال الاعلامي هل يجب أن يؤكد بنفسه على مسؤوليته كفاعل جديد أو يكتفي بدوره الكلاسيكي كمراقب «نزيه» أو «منصف»؟. سلسلة مبادرات من المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام وبما تملكه من فعالية في الحوارات وفي المعرفة وتفكيك القضايا المعقدة وربط ما هو محلي وعالمي سجلت في غير مكان والواضح أن الإعلاميين اعادوا احياء ادوارهم وتحولوا الى وسطاء في المواطنة الكونية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية كافة.على سبيل المثال لا الحصر، في القمة المناخية التي عقدت في كانون الأول 2009، في كوبنهاغن، وفي المؤتمر الذي عقد في كانون الثاني 2010 في هايتي جرت الاشارة بوضوح إلى تيار جديد من الألفة وتوافق الآراء من الاتحاد السياسي وحيث الميديا أطلقت جرس الانذار من خطورة التغيير المناخي في مواجهة العجز السياسي والمعوقات السياسية واللامبالاة التي رافقت الموضوع البيئي بين عامي 1970 و2000، التي ساهمت في تعميق المشكلة. وبمقابل هذا العجز السياسي ظهر تواطؤ غير مسبوق بين المراسلين والمندوبين المبعوثين من خلال ريبورتاجات عاطفية «CHA»، وأخرى بالتعاون مع التوجه الإنساني لعدد من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. وبعض الأخبار المتعلقة بمخاطر محدقة حددت وجرى الاستيلاء عليها والمثال معلومات صحافية كثيرة كانت بمتناول عدد من الصحافيين في هايتي وصورت قبل وصولها إلى الناس. مثال آخر راديوفرانس انترناشيونال ساعد مع محطات اذاعية محلية في نشر معلومات مهمة جرى قبولها كعنصر ضروري للبقاء على الحياة مثل الماء أو الغذاء أو الجوع.

media page cameras_630x250

ولكن بين الصورة الكبرى فوق والصورة الصغرى والجزئيات على الأرض، بقيت الصناعة الإعلامية غير فعالة كفاية بالإمساك بتذبذب إرادات المواطنين في الوقت المتاح. والأسباب كثيرة تتعلق بتكرار المأساة والفقر.. وسؤال الفاعلين يجب ان يطرح بوضوح على أولئك الذين يؤخرون أو يوقفون الحلول والاشارة بالاصبع هنا إلى عناصر لامتوازية أخرى مثل تلوث الأرض، النفايات الكيماوية في الحياة والإشارة بالإصبع ايضا إلى صراع غير متساوٍ في التجارة العالمية، وفي قضايا التنمية والعوامل غير المساعدة للإنسانية، في مواجهتها الأخطار المحدقة.
يعلّق العالم اليوم أهمية على تأثير الميديا على الأحداث العالمية. لكن لا توجد آلة قياس لهذا التأثير، بشكل فعّال. مع ذلك يتبين لنا في الملاحظات البسيطة ان الميديا لديها مؤثرات وعوامل مساعدة في التحولات الدولية، ولديها التأثير في الأجندات السياسية الدولية وفي مواجهة الاخطار والأحداث في سياق مناخات دولية متغايرة. لكن كيف ومع من يمكن أن تفرض الميديا مسؤوليتها الأجتماعية والسياسية من دون أن تكون مجرد أدوات؟

المعلومة والفعل هما متناغمان في الوظيفة الجديدة الاجتماعية للعمل الصحافي. لكن كيف ستتمكن السلطة الرابعة أو الخامسة، كيف يجب عليها أن تضع كل ثقلها في الميزان لكي تؤثر في الوقت المناسب على التعديل الملائم في مسار الاحداث ؟
وللأسف عدد كبير من المختصين والمهنيين يبحث عن دور عامل معرفي عامل للخروج من «غباوة» الميديا احيانا.
فالصحافي الشامل يختلف عن الصحافي العالمي، الذي يعالج قضايا معاصرة في عدة بلدان أو قارات أو حتى ضمن هيئات الأمم المتحدة.
الصحافي الشامل يركز على تحديات العولمة وينتقد الظواهر والتحديات الأفقية التي تضرب الكوكب، فيما يحقق الصحافي العالمي القدرة على التواصل مع أصحاب القرار الذين يعالجون هذه المشاكل، وفي الوقت نفسه يمتلك القدرة عبر التواصل مع الناس الذي يعيشون هذه الأزمات، وبالنهاية الصحافي الشامل هو الذي يتمكن من الربط والتواصل مع الصحافيين والفاعلين في العالم كله.

حرية الاعلام

Neoliberalism-Media-and-Democracy


اما هذا هذا الدور الإعلامي فلا ينفصل عن تاريخ الغرب وتحرره من جميع المعارك التي خيضت من اجل حرية الاعلام الحاضنة لجميع النضالات وان بمستويات متفاوتة بين الدول والانظمة من اجل ذلك. وهذا الدور موجود في صلب العملية السياسية او على اطرافها، لم يعبر عنه بشكل كاف، ولكن التركيز الاساسي كان دائما يتوجه لتبيان اثره غير المباشر، وهو المشار اليه بكل الموازين في السلطة المرتبطة بصناعته، ولم يفقد بعده التحرري، وهو الشرط المتمثل بالانفتاح على العولمة والخطور الاولى نحو تفهم الاخر.
يتكرر كل شيء في الحياة الدائرة حيث يعمل الاعلام. الدائرة هي نفسها هي والسهم الذى نرى اليه في دور الاعلام هو نفسه مع الفارق أن الظروف هي التي تغيرت على المستويات كافة، والاعلام كان موجودا دائما، شرط الفكر النقدي، غير ان شيئا تحول اليوم من غير ان ندرك نتائجه خير ادراك وهو ما حاولنا ان ننتبعه في بحثنا.
والمبدأ هو نفسه الذي تبعناه:
الحاجة الى المعلومة
كيفية جمعها وتخزينها
كيفية توزيعها للاستغلال
والظروف التي ساعدت مارتن لوثر كينغ وهو يعلق ملصقاته على جدران الكنيسة والتي تمثلت بمطبعة غوتنبرغ هي الظروف التي اختلفت معها الوسيلة اليوم مع الفيسبوك وتويتر والوتس اب وغيرها، خاصة مع الانترنت التي توفر الكلام لمختلف المتحاورين والمتخاطبين ومن حيث السرعة والمدة التي اثرت على عمل الوسيلة وتاثيرها. فالكثير اليوم يعرفون ويرون الامور بمجمل مظاهرها وظواهرها بشكل متزامن مع الحدث نفسه تقريبا. فكيف سيؤثر ذلك على الروح النقدية والتحليلية التي لا غنى عنها؟ خصوصا ان تعددية الاعلام على المستوى العالمي والمرتبطة بنشوء التعددية الثقافية، لا تزال تواجه تحديات صعبة، كمثل ان كل شيئ اصبح اقل يقينية. فالتقنيات أكثر تطورا من اعادة تنظيم اسواق الاعلام والتواصل، وباسرع من التفكير في الدور الحقيقي للإعلام الذي حاولنا ان نرصده. ثم هناك عالم مجتمع المخاطر الذي يضغط على التوازن الدولي الذي ينظم تواصلا فعالاً ويحدد ادوار اللاعبين. والنقاش القائم حالياً يقوم على المعايير التي ينبغي اخذها في الحسبان نتيجة الفجوة الرقمية بين إعلام الشمال وإعلام الجنوب.
لوي بوزان مؤسس اول شبكة اتصال العام 1970، والمهندس الفرنسي في التقنيات الحديثة والتكنولوجيا، يذهب ابعد من ذلك ويبدي قلقا راهناً من فرض رقابة الدول على الشبكة، وأن تكون الأنترنت ضحية للسلطات. حين يتمكن أي حكم من معرفة كل شيئ، لا يعد أحد يجرؤ على الكلام ويصر بوزان على تقوية واصلاح الشبكة التي تبنى على مستنقع!
الانترنت اليوم في قلب النقاشات والسجالات، الى كونها وسيلة الاتصال. لكنها وسيلة تستخدمها الجماعات الارهابية المستترة.. ودخلنا مرحلة التجارة بالمعلومات، وبالنهاية فإن كل العالم اليوم يخاف من كل العالم، والشرعية والسلطات تتفكك وتتحول عالما هشاً.

الاعلام والديمقراطية

bigmedia


لا شك ان اثر الاعلام شكل اضافة كبيرة، ولدينا هذا الدفق من المعلومات والحوار الذي يجري ليس بين خبراء المعلوماتية فقط، ولكن لدى عدد متزايد من الفاعلين على الساحة الدولية، ولكن هذا الدفق يشكل احيانا تشتيتا للانتباه عن قضايا بعينها ويشوش على الراي العام الداخلي والخارجي وفي كثير من الاحيان يذهب الاعلام الى سطح الاشياء وليس الى جوهرها. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، اياً كانت طبيعة الاعلام فان دور المتلقي يفرض نفسه اذا ارتبط بعوامل وعي وتدارك. اذ ليس على الاطلاق ضمانة للحقيقة، وانما وجوده بشكل اكبر في كل مكان يشكل الة قياس عالمي نسبية. لا شك أن الإعلام يساهم في ممارسة الضغوطات على الاهداف القومية لكل دولة، ولكن لهذه الاخيرة اجندتها التي تعمل عليها من الأساس، فدولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية تضرب بالقوة العسكرية وبالقوة اللينة التي تمثلها التكنولوجيات الحديثة وتمسك بمرجعياتها المركزية في الخارج، بينما تتصرف في الداخل مع الرأي العام الأميركي كدولة ديمقراطية. هل يمكن توصيف أميركا بالدولة الديمقراطية داخلياً و نزع الصفة الليبرالية عنها انطلاقاً من سياساتها الخارجية. أميركا في الخارج ليست «اخلاقية» واميركا في الداخل ديمقراطية ؟ هذا تناقض كبير في الأثر الإعلامي المعاصر. المراقب لا يزال يطرح الاسئلة الجدية بشأن جدية الولايات المتحدة الاميركية في مكافحة الارهاب الدولي، والعلاقات الدولية لا تقتصر على السياسة الاميركية وحدها، وان كان المشاركون في هذه العملية السياسية يتسمون، عادة بردود الافعال ويفتقرون الى المبادرة. وهناك الحديث عن النظرية القانونية وعن الأمم المتحدة ومؤسساتها وتلك المؤسسات تبدو رهينة وتأثير ذلك مؤكد. لكن هذه النظرية رهينة الاهداف القومية للدول التي بإمكانها ممارسة حق النقض (الفيتو)، تجلياته العديدة التلويح به لمحاربة قيام مشروع دولة فلسطينية مستقلة.. علماً ان الأمم المتحدة تمثل سلطة مركزية يمكن العودة اليها في العديد من القضايا العالمية عند الضرورة، وتمثل السلطة الأم القانونية التي تمتثل لها كل النظريات في العلاقات الدولية التي يعمل الإعلام من خلالها، إذا ما أرادت الدول التي تشكل تركيبة النظام العالمي وهي التركيبة التي يدرس أثر الإعلام في سياق كل دائرة من دوائرها. لكن العالم الشديد الترابط اليوم بحاجة إلى مؤسسة دولية فاعلة لإدارة ازمات يجد فيها الإعلام نفسه عاجزاً، وكذلك السياسة عاجزة عن تخفيف وقع أو تأجيل الاصطدام بمآسٍ إنسانية وبحروب ونزاعات اثنية وبحروب المتشددين الارهابية، والتي تضرب في غير مكان.

cropped-media-as-pillar-of-democracy

ولئن كانت التناقضات اوضح بالنسبة الى الاعلام الصحافة، لان الرموز الثقافية متوافرة والتقاليد لفكها ايضا. لكنها كثيرة في الميادين الاخرى لاسيما في الميديا الجديدة من خلال غياب هذه الرموز التقليدية ويظهر ذلك في عدة اوجه:
فمزيد من المعلومات لا يخلق مزيدا من التنوع، والكثافة في الاخبار ليست مرادفا للحقية والمنافسة تزيد من الامتثالية،التبعية، الأنفتاح غير الكافي،وانعدام المقارنة والأفراط في الاختزال لأن الخبر يذهب الى التكلفة في حين يجب الذهاب الى الجوهري.
ثم هناك ايديولوجيا تنامي السبق في الخبر كاداة في التميز على حساب الافكار والعمق. سباق السرعة من اجل فرض الذات في المنافسة على حساب فهم احداث عصية،
في منطق اقتصادي تسويقي يفاقم الانحراف حول اعلام خاضع لمنطق الطلب. وقد يؤدي الى استبداد إعلامي من شأنه ان يميل الى مراحل الايديولوجيا الأعلامية الموجهة.
ان عولمة الاعلام تفاقم المساوئ السابقة دافعة بها الى مقياس عالمي مع خطر جعل التناقضات بين عدة تصورات ثقافية للاعلام اوضح بكثير. اين التعددية هنا ؟ مع مشكلة اضافية متمثلة بأثر الاعلام على مصداقية الليبرالية الاعلامية لاسيما ان المرء في عالم اليوم ما عاد يصدق الا ما يراه. هذا يعني تواصلاً مشوشاً بالاشاعات وزيادة طردية في الاخبار والاسرار والفضائح مما يجعل الميديا تدور على نفسها وتختنق بنوع من الارستقراطية الزائفة في الوقت الذي يخلط فيه عالم الاعلام والاتصالات بين الضوء الذي يسلطه على العالم وضوء العالم، بين الوجه المضيئ للقمر ( نموذج الحرب الاميركية على العراق في توصيف شبكة سي ان ان الاميركية وبين الوجه المظلم من ماسي الحروب يرزخ تحتها العراق الى اليوم )
ان التناقض الذي نعيشه في عالم اليوم هو التناقض نفسه بفارق الأشكال المتعددة للاعلام والتواصل في المجتمع الحديث، فاي دور يمكن ان يلعبه الاعلام في غياب سلطة مركزية او ادارة عالمية، وبالتالي سلطة تدير العالم الذي يعيش حالة فقدانها اكثر من اي وقت مضى.
ان فكرة حقوق الانسان والمنظمات الدولية تعطي انطباعا واضحا عن اثر الاعلام حيث لم تطغ اطلاقا على حد علمنا مسالة حقوق الناس والجماعات على الاهداف القومية. اين كانت حقوق الانسان في سجن ابو غريب، او الحرب الاهلية في الكونغو التي ذهب ضحيتها الى الان نحو خمسة ملايين ضحية، واين كان الاعلام من الابادة الجماعية في رواندا التي ذهبت بظرف 48 ساعة من 60 الى 70 الف قتيل، وارتفعت الارقام الى مليوني قتيل، واين هو دور الاعلام في الحالة السورية او بحالة اليزيديين او بالحالة المسيحية ككل في الشرق الاوسط ؟؟
حجم كبير من التناقض والغموض تابعناه في كتابنا وتتبعنا لاثر الميديا الجديدة نتيجة غياب هذه السلطة المركزية في عالم يشبه سفينة التايتانيك. نحن مثل باخرة التايتانيك، وما هو دور وسائل الاعلام والباخرة كما هي تتوجه لتقودنا على الفرق، في مكان يسمح فيه للجميع بالكلام، الربان، الفريق، المساعدون، العلماء، أيضاً الركاب من الدرجة الأولى والثانية والثالثة.

LadyJusticeSocialMedia

لكن كيف يستعمل الإعلام، وكيف يجب علينا أن نضع ثقلنا في الميزان لنؤشر في الوقت المناسب الى التعديل الملائم في تجاوز مسار إقلاع مقدمة السفينة، التي تكاد ترتطم بنا، كما لو ان كل مواطن هو على الجبهة، وكأن سرعة الخبر مرادفة للحقيقة والموضوعية، وكما لو ان الصين الكبرى على الرغم من انها تمارس القمع على الإعلام والصحافة والاقليات تصنف دولة ديمقراطية، لانها تحتكر الثلث الكبر من احتياطي العالم من العملات الصعية ولو بدا انها تعاني حاليا من ازمة اقتصادية، وكما ان الجميع منبهر بالوقت الفوري والاعلام الفوري والافكار اللحظوية وتحول فجأة الى الايمان بسرعة التقنيات وعظمتها المطلقة. في حين شكلت الدبلوماسية الهادئة والمتانية الوسيلة الضرورية لاجتنباب المزالق الخطرة. لاسيما وان ايديولوجيا الاعلام تهدد التعبيرات الديمقراطية نفسها وتعزز حرب الصناعات الاستهلاكية، العدو الرئيس لكل تنوع وتعددية.. ولا شيئ عقلاني في هذه السوق العالمية للاعلام حيث قوة المصالح الاقتصادية التي لا تسمح بدراسة الاثر وليس لها علاقة بالنوايا الطيبة في دور واثر اعلامي، يشكلان أو من المفترض أن يشكلان المتغير المستقل في اللعبة السياسية ومن خارج دائرة المصالح وموازين القوى، اي من خارج دائرة العملية السياسة، وهامش المناورة يضيق مع تشتت المتلقي الحليف الرئيس لحرية الاعلام والد عدو لها في ان. والغرب الديمقراطي لم يعد وحيدا، وهو مضطر من اجل حماية الديمقراطية نفسها والدفاع عن حقوق الانسان التحاور على ضفتي المتوسط وفي قلب أوراسيا والتفاوض مع قيم اخرى من غير ان يتخلى عن قيمه بالذات وهي قيم الليبرالية اي التعددية والديمقراطية وحقوق الانسان وهي الشرط الاساسي لدراسة اثر الاعلام في العلاقات الدولية والانتقال من واقع التعددية المعترف بها الى البناء السياسي للتعايش السلمي. نقول هذا ولا ننسى خيانة الغرب نفسه للقيم الديمقراطية في ظواهر عديدة، وفي بلدان من العالم الثالث. مع ذلك الإعلام براينا يجسد تماما هذا الرهان السياسي ليس في العولمة بل العودة الى قيم العالمية الانسانية. والإعلام يجسد فيها ضمير الحرية وضمير الإنسانية نفسها.

yak-media1.jpg

فكرة واحدة بشأن "يقظان التقي و…"

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.