محمد علي شمس الدين:

القصيدة تحرضني على الحياة

 

mohamad ali
محمد علي شمس الدين
زينب حمّود

منح “بيت الشعر”، في مهرجانه السنوي الأخير، “جائزة الشارقة للشعر العربي” في دورتها الخامسة (2015)، إلى  الشاعر اللبناني محمد علي شمس، كونه أحد آخر الكبار الذين ما زالوا يحلّقون في فضاءات الصوت الشعري المتمايز المتوحد بالطرائق الرؤيوية الاشراقية الضاربة بالفيض والاعجاز.

لم يتعب محمد علي شمس الدين لأكثر من أربعين عاماً، لن ولم يتوان أو يتوقف، بل ظل يجلجل في القصيدة كأجراس الحرية، يعزف على أوتار اللغة، ويزرع مساكب وغابات الشعر في ملكوت الحياة والحب والحبيبة والانشاد الكوني. وهو الآن أكثر حضوراً في اللحظة في الغد وفي المستقبل. وقد أسس فضاءاته الخاصة به في الشعر الحافل بالمرايا والمشهديات المبهرة وبالحضور المضمخ بالرقي والأناقة والجمال.

ثلاثة أمور

قمرٌ جنوبي الرحم والماء والتراب، الريح قبلته والشمس قصيدته والجوائز تليق به سألناه:

* تمَ اختيارك الشخصية العربية المكرمة لجائزة الشارقة للشعر العربي في دورتها الخاصة (ما بين 5 و9/1/2015). ماذا يعني لك هذا الاختيار؟

* يعني لي أمرين، وثالثاً حَدَث أثناء حفل الافتتاح والتكريم. الأول هو أن الشعر الذي كتبته على امتداد ثماني عشرة مجموعة شعرية تغطي حياتي الشعرية من العام 1975 تاريخ صدور أول ديوان لي بعنوان “قصائد مهربة الى حبيبتي آسيا”، حتى العام 2014 تاريخ صدور الأخير وهو “النازلون على الريح”، هو زرع لم يُزرع في أرض بور، منذ أخصب في الدراسات والكتب والأطروحات الجامعية الكثيرة التي تناولته بالبحث والتقييم، وأن بعض الجهات الثقافية المتنورة والسياسية العربية المثقفة، وجدت فيه ما يجعله أهلاً للتكريم، وهو أمر مبهج اذا جاء من الناحية المناسبة ابداعياً، ثقافياً، وسياسياً. وفي ما يتجاوز شخصي، فان الاهتمام بالشعر العربي وبالشاعر العربي، اليوم بالذات، هو انتباه لماهية هذا الشعر ودور الشاعر في حراسة الهوية واللغة والكيان بل في حراسة المخيلة العربية التي ينبثق منها المستقبل. وهو أمر نلاحظ وجوده في الصيرورة التاريخية العربية. فالشاعر الجاهلي كان عمود الخيمة في الصحراء، أمامه المدى الشاسع من الرمل، وعلى شفتيه القصائد. ولا شيء سواهُ ناطقاً في هذا الزمن الرملي الصامت. بلغته نزل الذكر الحكيم، وحين انطلقت الفتوحات العربية، سبق الشعراء الخيول، وحين كبت الأمة كبا الشعر، وحين نَهَضَت حَمَلَ الشعراء راية النهضة، والآن الشعر يئن، كما تئن الأمة، هذا ما قلته في خطاب التكريم. وهذا ما يحسن أن أعيده وأضيف: لكي نعرف أنفسنا اليوم علينا أن نحدث في الشعر. الثاني هو أنه مع الربيع العربي وسيراً في حواضره وأزاهيره وأشواكه. تدمرت تباعاً أو كادت تدمر، عواصم تاريخية للشعر العربي، من بغداد الى دمشق ومن القاهرة الى بيروت، وجميل أن يجد الشعر ملاذاً على أرض عربية، فهو اليوم شريد المنافي ونسوخ الانترنت.

* ذكرت أمراً ثالثاً ما هو؟

* الأمر الثالث طرأ وفاجأني خلال الأمسية الشعريُة الأولى التي شارك فيها ثلاثة شعراء: الاماراتي ابراهيم بوملحة والفلسطيني محمد لافي والسعودي اياد الحكمي. والمفاجأة جاءت من ناحية اياد الحكمي، الذي قبل أن يقرأ قصيدته الجميلة بعنوان “من أوراق العربي الأخير”، سَرَد حكاية عشق لتجربتي الشعرية، وفخره بالوقوف وقراءة قصائده في هذا المقام، وروى أنه توقف في الحجز الأمني ذات يوم بسبب مختارات شعرية لي هي “حدائق آسيا” ثلاثة أيام، منذ ذلك الحين وهو لا ينسى قصيدتي “كيف اصطادوا عصفوراً، أو الحرية”، وقرأها أمام الحضور قبل أن يقرأ قصيدته. أليس في ذلك ما يجعل الشعر دماً عربياً واحداً؟

* هناك التكريم، وهناك الجائزة. أليس كذلك؟

– نعم والأمر يتصل بالآخر.

نظام عالمي

* هل الجائزة نتيجة؟

-الجوائز الأدبية والسينمائية والتشكيلية والعلمية، الخ. هي اليوم نظام عالمي. ويكاد يكون نظاماً عربياً. تستطيعين أن تعدي عالمياً جائزة نوبل وجائزة “الغونكور” وجائزة “البوكر” للرواية، كما أن جائزة “العويس” العربية جائزة محترمة. يمكن أن تضعي الى جانبها جائزة “الشارقة للشعر العربي”. أنا أقيس الجائزة الأدبية أو الفنية أو العلمية، بطرفين، الطرف الأول الجهة التي تمنحها ومدى مصداقية هذه الجهة لناحية اللجان التقييمية المشكلة لهذا الغرض، مصداقيتها، تخصصها، معرفتها، عدالتها في حسن الاختيار. أما الطرف الثاني فهو الشخصية الابداعية المختارة للجائزة، أهي حقاً مبدعة؟ مجددة؟ شكلت اضافة نوعية مكرسة من قبل ذوي البحث والاختصاص في الشعر مثلاً، في الرواية، في المسرح، في السينما، الخ. هذان هما كفتا ميزان الجائزة ومن دونهما لا تجوز.

* هل يمكن أن يعيش الشاعر أو الروائي من الجوائز (أقصد مادياً)؟

-* المسألة نسبية.

* كيف؟

– المبدع العربي، كما هو معلوم، سواء كان روائياً أو شاعراً، أو رساماً تشكيلياً – غالباً ما لا يستطيع الاستناد الى ريع أعماله، لكي يضمن لنفسه حياةً مادية كريمة، وِزر ذلك تحمله بشكلٍ أساسي الثقافة العربية العامة فهي ثقافة غير قارئة، حتى نجيب محفوظ لم يكن ريع روايته يكفيه وعائلته. الى جانب ضعف الاهتمام العربي السائد بالقراءة (تبعاً لما تكرره الاحصائيات) هناك قرصنة الكتب الرائجة، ما يجعل الكاتب العربي على العموم، مهما علا شأنه، معرضاً لأن يرمي صنارته في بحر غامض.

أنا شخصياً نلت من الجوائز (العويس، الشارقة، ديوان العرب) ما يوازي تعويضي في العمل. لكنني ولا مرة، كتبت على أساس أن مصدر رزقي هناك. كل ذلك جاء عفو الخاطر اذا صحت العبارة. هم يختارون أما أنا فأكتب، ولكي أعيش أعمل، كنت كما تعلمين مديراً في الضمان الاجتماعي اللبناني. أنا أعمل لأعيش وأكتب لأحيا.

“أكتب… لأكتب”

* ما حوافزك للكتابة؟

– حوافزي للكتابة هي الكتابة نفسها. أعني أكتب لأكتب.

* أليست عندك أهداف من الكتابة؟ رسالة تبلغها؟ قصد تقصد اليه؟

– في الشعر نعم ولا، بل أريد أن أقدم لا على نعم. القصيدة بالنسبة إلي غبطة ذاتية، بل هي الحياة التي لا حياة من دونها. ولكي أقرب لكِ الأمر أقول لكِ افتراضاً إنه لو قدر لي أن أملك ما أريد من مال وجمال وسلطة وطعام ولباس (جَدَلاً) وحرمت من شغفي، وهو القصيدة، تكون حياتي ناقصة ومضجرة. القصيدة تحرضني على الحياة. وهي مسألة مَرَضية على الأرجح، وأنا أعرفها.

* ألا تتوجه للآخرين في قصائدك؟

– قلت القصيدة غبطة ذاتية في الأساس، لكنها بعد أن تولد، هي حرة في أن تنام الى الأبد، أو أن تمد يدها في كل الاتجاهات. اللقاء بالقصيدة مصافحة أو عناق أو عشق أو موت مع الآخر.

* ربما أخطأت في العبارة. سألتك عن أهداف القصيدة، وكان قصدي سؤالك عن طقوس القصيدة. طقوس الكتابة. متى تكتب؟ كيف؟ أين/ الخ.

-أشد ما يخيفني أن تبدأ القصيدة في أول الليل. معنى ذلك تلقائياً أنني لن أنام، لا لليلة واحدة بل لليالٍ لا أدري عددها. وفي هذه الأثناء أصبح كائناً غير اجتماعي بالمرة، بل كائناً غير عائلي، غير بيتي، وعلى من يعيش معي أن يتحمل أو يغادرني وهو معذور. أما كيف تتوارد الكلمات والعبارات ومن بعد ذلك المقاطع، وكيف يتم الربط والحذف والتوليد وتتزاوج الأفكار بالمفردات والصور تتنزل في اللغة، ويشملني عالم الايقاع برحمته، فذلك أمر لا أستطيع على وجه الدقة أن أصفه لأنه يتم خارج اطار وعيي الكامل، وحتى لو حاولت السيطرة على هذا الوعي، فغالباً ما هو يخون. أعني يفاجئ ويغير الخطط، ويقفز فوق الحدود كطفل لا يمكن ضبطه وهو بين ألعابه. للكلمات هواها ومزاجها، الكلمات بحر شاسع مجهول وأنا أغرف من هذا المجهول.

“سطوح غادرت ساكنيها”

* ما آخر ما صدر لك؟

– مختارات شعرية صدرت في الشارقة لمناسبة جائزة الشارقة للشعر العربي، وهي بعنوان “سطوح غادرت ساكنيها”.

* على هامش منحك الجائزة، صدر كتاب عنك عنوانه “سطوح غادرت ساكنيها” ماذا عنه؟

-على هامش منحي جائزة الشارقة للشعر العربي، أصدرت دائرة الثقافة والاعلام مختارات شعرية بعنوان “سطوح غادرت ساكنيها”، تضمنت قصائد مختارة من دواويني الشعرية وهذه القصائد هي: جمال وجهك، أنا منك الضنا، هو الكلام، بابي حجاب، وجه لليلي، حديقة مريم، يد غير مهيأة للطيور، أميرال الطيور، ليلي بلا نار، شمس محمد، منازل النرد، المنزلة الأولى، المنزلة الثانية، المنزلة الثالثة، المنزلة الرابعة، قصيدة “لا”، الفراشة، دموع الحلاج، القبلة، الى قصائد أخرى، قدم للكتاب مدير مهرجان الشعر في الشارقة الشاعر محمد البريكي، المتابع لكل تفاصيله، والذي بدوره كتب “ان اصدار هذا الكتاب يأتي احتفاءً باختيار محمد علي شمس الدين الشخصية المكرمة من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يكرم في كل دورة من دورات مهرجان الشارقة للشعر العربي شخصية عربية وأخرى اماراتية تقديراً لجهودهما في مجال الشعر العربي والمحافظة عليه”.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.